أمام السفارة المصرية في تونس العاصمة، وقف طفل صغير، لا يتجاوز العاشرة من عمره، يهتف بصوت مرتجف لكنه عميق الأثر: "غزة جيعانة، غزة جيعانة.. يا حكومات عربية جبانة."
لم يكن صوته مجرد كلمات عابرة، بل كان تلخيصًا موجعًا لحالة الغضب الشعبي المتزايد من تواطؤ وصمت الأنظمة العربية إزاء المأساة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة تحت القصف والحصار.
https://x.com/i/status/1964670298781024703
صوت البراءة الذي أحرج الكبار
الهتاف البسيط للطفل تحوّل في لحظات إلى رمز، تناقلته منصات التواصل الاجتماعي باعتباره صرخة براءة تعكس حقيقة مروعة: أطفال غزة يموتون من الجوع، بينما الأنظمة العربية عاجزة أو متواطئة.
يرى المحلل السياسي التونسي عدنان منصر أن كلمات الطفل "لم تفضح فقط مأساة غزة، بل عرّت عجز الحكومات العربية، وفي مقدمتها النظام المصري الذي يغلق المعابر ويمارس سياسة التضييق بدل أن يكون سندًا للفلسطينيين."
مصر في قلب العاصفة
لم يكن اختيار الطفل للسفارة المصرية صدفة، فمصر التي تملك معبر رفح الحدودي مع غزة، تتحمل نصيبًا وافرًا من الانتقادات.
فبينما تؤكد القاهرة أنها تسهّل مرور المساعدات الإنسانية، تتحدث تقارير أممية ومنظمات إغاثية عن عراقيل كبيرة، وبيروقراطية متعمدة، تؤدي إلى تكدس المساعدات على الجانب المصري في وقت يموت فيه الأطفال من الجوع.
ويقول الخبير الفلسطيني مصطفى الصواف إن "النظام المصري يرفع شعار دعم غزة، لكنه عمليًا يطبّق إملاءات الاحتلال والولايات المتحدة عبر التحكم في المعبر، بما يجعل الشعب الفلسطيني رهينة للسياسة لا للإنسانية."
غضب شعبي عربي يتسع
انتشار مقطع الفيديو دفع آلاف النشطاء من مختلف الدول العربية إلى التفاعل معه.
بعضهم كتب أن "صرخة الطفل أقوى من كل بيانات الجامعة العربية المكررة"، وآخرون اعتبروا أن "أطفال العرب باتوا أكثر وعيًا من قادتهم."
المحلل المغربي إدريس الكنبوري أشار إلى أن "الأصوات الصادقة مثل صوت هذا الطفل هي التي تهز ضمير الشعوب، بينما الأنظمة منشغلة بالحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل أو بتنفيذ سياسات صندوق النقد الدولي التي ترهق مواطنيها."
ازدواجية عربية فاضحة
الأنظمة العربية التي سارعت إلى التطبيع الاقتصادي والسياسي مع إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، بدت عاجزة عن وقف المجازر أو حتى الضغط لوقف إطلاق النار.
بل إن بعضها، بحسب تقارير صحفية، يواصل التنسيق الأمني والاستخباراتي مع تل أبيب، رغم صور الأطفال الممزقين تحت الأنقاض.
الكاتب المصري المعارض عز الدين شكري فشير كتب في إحدى مقالاته أن "الأنظمة العربية تخشى شعوبها أكثر مما تخشى إسرائيل، لذلك تستميت في منع أي حراك تضامني واسع، وتتعامل مع غزة باعتبارها تهديدًا داخليًا لا قضية قومية."
بين براءة الأطفال وقسوة الأنظمة
بينما يردد الأطفال في تونس والعالم العربي شعارات الغضب والكرامة، تصر الحكومات على خطاب مكرّر يتحدث عن "التضامن" و"التنسيق الدبلوماسي"، دون خطوات عملية تنقذ أرواح المدنيين.
المفارقة أن صرخة طفل أعادت إلى الأذهان شعارات الانتفاضات الشعبية التي هزّت المنطقة قبل عقد من الزمن.
يقول المحلل الأردني لبيب قمحاوي: "ما جرى أمام السفارة المصرية يثبت أن الشارع العربي لا يزال حيًا، وأن الشعوب مهما خُنقت، ستجد دائمًا من يرفع صوتها، حتى ولو كان طفلًا صغيرًا."
غزة الجائعة والخذلان المستمر
في ظل استمرار الحصار والقصف، يشير برنامج الغذاء العالمي إلى أن نحو 80% من سكان غزة يعيشون حالة جوع حادة، فيما يحذر الأطباء من أن الأطفال الرضع يواجهون خطر الموت بسبب نقص الحليب والمياه النظيفة.
ورغم هذه الكارثة، لا تزال قوافل المساعدات عالقة، والأنظمة العربية تكتفي بالبيانات.
الخلاصة: الصرخة التي لن تُنسى
قد يكون الطفل التونسي صغيرًا في العمر، لكنه أطلق صرخة تحمل من الصدق أكثر مما يمكن أن يقوله سياسي عربي في مؤتمر صحفي طويل.
صرخة "غزة جيعانة" لم تعد مجرد هتاف عابر، بل تحولت إلى مرآة تعكس عجز الأنظمة وجبنها، وإلى تذكير دائم بأن الشعوب العربية، مهما كبّلتها الأنظمة، لا تزال قادرة على رفع الصوت في وجه الظلم.